لقد بات واضحا شكل المشهد السياسي العام لواقع شعبنا الكلدوآشوري السرياني.. والمتردي منذ ما يقارب العقد ونيف والآخذ بالانحدار نحو المزيد من التراجع والانكفاء وعلى مختلف الأصعدة. ولعل من أبرز ملامح هذا الواقع هو عدم اعتبار شعبنا شريكا وطنيا حقيقيا في العراق انطلاقا من كونه ذلك المكون الأصيل صاحب الأرض والتاريخ.. إلا في المجاملات الإعلامية، وبالتالي فإن صورة شعبنا أضحت مشوهة إزاء مختلف فعاليات ومفاصل العملية السياسية في العراق سواء في بغداد أو أربيل.فعلى مستوى التمثيل السياسي في مؤسسات الدولة باختلاف تخصصاتها نرى تمثيل شعبنا بصفة مشارك وليس شريك، وحتى تلك المشاركة فهي تأتي وفق مقاسات ورغبات الكتل المتنفذة الشيعية والكردية تحديدا.. سواءً في البرلمان أو الوزارة أو الهيئات المستقلة وغيرها من المواقع الأخرى. أما على مستوى إقرار وتجسيد حقوقنا على أرض الواقع.. السياسية منها والإدارية، فإن ذلك بات ضربا من الخيال في ظل عقلية بعض الكتل المتنفذة التي تنظر للأمور وفق مبدأ الأرقام على أساس الأغلبية والأقلية، أو وفق المبدأ القومي العنصري أو الديني الطائفي. في المقابل فإن مظلومية شعبنا وإقصائه وتهميشه والتجاوز على أرضه وممتلكاته وسلب إرادته بات عرفا لدى البعض من تلك الأطراف المتنفذة في بغداد وأربيل.هذا بالإضافة إلى الاستهداف المباشر الذي وقع على شعبنا طيلة هذه السنوات بدءً على يد التنظيمات الإرهابية ومرورا بالميليشيات الطائفية التي استهدفته على الهوية ليتم تهجيره من مناطقه في البصرة والعمارة وبغداد وكركوك ونينوى، وآخرها استهدافه على يد عصابات داعش الإرهابية.إن هذا الواقع المؤلم على شعبنا الكلدوآشوري السرياني الذي يثقل كاهله يوما بعد آخر ويدفعه إلى القنوط وفقدان الثقة بالذات ومن ثم إلى هجرة وطنه نحو الاغتراب كان قد جاء نتيجة لعوامل موضوعية كتلك التي ذكرناها آنفا، وأخرى ذاتية تتعلق بالانقسام الداخلي والتشرذم الحاصل في مؤسسات شعبنا المختلفة، وبالأخص السياسية منها، حيث ضعف الأداء السياسي بشكل عام كان أحد العوامل التي جعلت شركاءنا في الوطن أن ينظروا إلى شعبنا وقضيته كحلقة ضعيفة وليس كرقم مهم ضمن المعادلة السياسية.. مما سهل أيضا تدخلها في شأننا الداخلي ليتم مصادرة قرار وإرادة شعبنا وغمط حقوقنا.أما اليوم فإننا نرى الواقع العراقي بشكل عام وبفعل جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتجه نحو فرض متغيرات مهمة إزاء العملية السياسية والتي كان أحد مؤشراتها هي التظاهرات الحقة التي انطلقت في الأول من تشرين الأول الماضي والتي راح ضحيتها أكثر من سبعمائة شهيد وأكثر من خمسة وعشرين ألف جريح والتي أعطت الأمل للعراقيين بإمكانية تغيير واقع المواطن العراقي نحو الأفضل.من جهة أخرى فإن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد بفعل انخفاض أسعار النفط كان لها أيضا وقع كبير ومهم على العديد من المعادلات السياسية وباتت تفرض واقعا جديدا ومغايرا للنمط السياسي العام مقارنة بالذي شهدناه منذ عام 2003، ومن جهة أخرى فإن مشاريع التغيير التي أعلنت عنها الحكومة الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي، وإذا ما تم تنفيذها هي الأخرى فستكون عاملا حاسما نحو التغيير.لذلك فإننا كمكون قومي وديني (كلدوآشوري سرياني / مسيحي) علينا أن نتجاوز واقعنا هذا من خلال قبول أحدنا الآخر وترك المكاسب الحزبية الآنية.. والاتفاق على المشتركات وتأجيل الاختلافات، لكي يكون لشعبنا بصمة واضحة في المرحلة القادمة تعبر عن أصالته وثقافته وعمقه التاريخي، وذلك عبر حضوره الفاعل في المتغيرات القادمة، وإن ذلك لا يأتي إلا من خلال وحدة الصف والموقف من قبل مختلف مؤسسات شعبنا السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية إزاء بعض الملفات المصيرية على سبيل المثال لا الحصر كتغيير قانون انتخابات الكوتا الخاصة بشعبنا وجعل شعبنا هو الذي ينتخب ممثليه الحقيقيين.وكذلك تغيير قانون الأحوال الشخصية في بعض بنوده، وهكذا بالنسبة لموضوع التجاوزات على أراضي شعبنا وممتلكاته في بغداد وسهل نينوى وأربيل ودهوك وفي أي موقع آخر.وفي هذا السياق فإننا في حزب أبناء النهرين نثمن كل المبادرات الرامية ومن كل الجهات نحو توحيد الصف والخطاب والمطلب، كما ونقيم دعوة أبينا الكاردينال البطريرك مار لويس روفائيل ساكو بضرورة تجميع الجهود وتوحيدها وخلق آلية مؤثرة وفعالة للمطالبة بحقوق شعبنا تعبر عن طموحاته وآماله.. وليتسنى له أن يساهم في بناء وطنه وتطويره نحو الأفضل.
حزب أبناء النهرين
26 حزيران 2020